في عُرف اللغة العربية, تعتبر عبارة مثل "أنـا بشتغل بـطالة" جملة بلا معنى, فكيف يجتمع الشُغل والبطالة في جملة واحدة صحيحة؟
أيها السادة .. لقد كسّرنا في فلسطين الكثير من القواعد .. وهانحن الآن قد قمنا بتكسير قواعد اللغة العربية
حيث أنه من الشائع أن تجد هذه العبارة مألوفة ومعتادة في الشارع الفلسطيني, عندما تقوم بسؤال أحدهم عن طبيعة عمله ستجده يجيبك وبكل ثقة :أنا بشتغل بطالة في المكان الفلاني ..
والمعنى المقصود يطول شرحه.. لمن لا يعرف!
لا اعلم بالضبط متى بدأت هذه الظاهرة بالتواجد في المجتمع الفلسطيني ولا من بدأها .. فالمعروف ان الكثير من المؤسسات الدولية والدوائر الحكومية العاملة في فلسطين, قد قامت باستحداث برامج وعقود عمل بنظام جديد, يهدف إلى توفير فرص عمل مؤقتة للخريجين الجدد مقابل مرتبات زهيدة .. ولمدة زمنية تتراوح بين 3-6 أشهر وقد تصل إلى عام واحد غير قابل للتجديد.
من بين هذه المؤسسات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وغيرها من المؤسسات المدعومة من الجهات المانحة المختلفة.
الاسم الرسمي للبرنامج هو "برنامج خلق فرص عمل Job Creation Program " .. لكن في مجتمعنا يصطلح على تسميته اختصارا بـ"برنامج البطالة"
تجد أن الخريج الجديد أول ما يستلم شهادته الجامعية, يذهب بكل همة ونشاط ويسجل اسمه في قوائم الخريجين (العاطلين عن العمل بالطبع) ويجلس في بيته بانتظار هذه الفرصة .. يطير من الفرح عندما يتصلون به .. وقد يطالبه أصدقاؤه بالـ"تحلاية" .. والستات تزغرط .. والرجالة تقول الله أكبر (مش لهالدرجة!)
لقد أخبروه بالاتصال (لقد تم قبولك لكي تأتي وتعمل عندنا "بطالة" لمدة (؟) أشهر) هكذا يبشرونه بالوظيفة المؤقتة ..
ولسان حاله يقول .. مؤقتة مؤقتة مش مهم .. أحسن من قعدة البيت
رسالة نبيلة أليس كذلك؟
ولكن التطبيق على أرض الواقع مختلف تماما ..
الواقع هو .. أن هذا البرنامج يوفر للخريج فرصة عمل أياً كانت .. في أي مجال كان .. مش بالضرورة أن يكون له علاقة بالشهادة التي يحملها الخريج, ولا بمعدله الدراسي, ولا بالعمل الذي يطمح بالقيام به .. عمل وخلص!
بعض المؤسسات تكون مجبرة بأن تقبل عدد معين من موظفي "البطالة", حتى وإن لم يكن هناك احتياج فعلي لوجودهم !
أعرف الكثير من خريجي كليات الـقمة المزعومة, مثل الهندسة والصيدلة وتكنولوجيا المعلومات قد تم قبولهم للعمل ضمن هذا البرنامج وتتراوح الوظائف المتاحة ما بين (مهرج أو منشط أطفال في ألعاب الصيف) أو (عامل نظافة لتنظيف شارع كذا وكذا) أو (حارس ليلي في موقع بناء) أو (معلّمة مساعدة تساعد المعلمة الأساسية في حمل دفاتر التحضير) .. وحتى في الجامعات تم استحداث نظام العمل لأوائل الطلبة (الـBest Student) حيث يعمل الطالب الخريج المتميز كمعيد في الكلية لمدة مؤقتة .. وغيرها من الأعمال المختلفة ..
نظام المحاسبة على الأجر تكون بالحضور اليومي .. يعني يتم خصم الاجازات المرضية والاسبوعية والوطنية من الراتب الشهري .. ولا يوجد للموظف اي حقوق تأمين أو معاشات أو أو ...
كما ان الأسلوب الذي يتعامل به معظم أصحاب العمل مع الموظفين بنظام البطالة .. يكون بمبدأ أنه موظف ليس له حقوق ووجوده غير ضروري أساساً .. ويتم مخاطبته بعبارات من نوع (احمد الله انا شغلناك) .. (لو مش عاجبك الشغل بنجيب 10 بدالك) .. (فيه زيك كتير مش بس انت) ..
وفي مرات اخرى يتم اللعب بمشاعر الموظفين بنغمة (لو كنت قد حالك ممكن نثبتك) فا يبدأ الموظف بإثبات نفسه بكل الوسائل , وربما يقوم بأعمال غير مطلوبة منه وليست من اختصاصه في العقد , لعل وعسى يرضى عنه صاحل العمل او المدير ويجيبله وظيفة ثابتة .. وهذا نادرا ما يحدث.
ناهيك عن وقع الكلمة على الموظف نفسه , يعني على الرغم من أنه يعمل ويجتهد, إلا أن المجتمع يطلق عليه لقب (موظف بطالة)!
متخيلين حجم المأساة على المدى البعيد؟!
يقول بعض العالمين ببواطن الأمور, أن هذه الطريقة هي الأسلوب المعتمد من الدول المانحة للالتفاف على دعم الحكومة في غزة مثلا. بمعنى أن الدول المانحة تقوم بمنح المال وإيصاله مباشرة للمواطنين (او اللاجئين) في الأراضي الفلسطينية,, بدلاً من أن تقوم بدعم الحكومة الفلسطينية (حماس!) مباشرة .. لأنه حماس طبعا (حركة إرهابية) على حسب ما يقولون.
ويرى البعض الآخر أن هذه صورة أخرى من صور البطالة المقنعة .. لأن موظف البطالة هو فعليا (موظف زائد عن حاجة المؤسسة) وبالتالي كل ما يقوم به من أعمال هي هدر للقوة البشرية وإضاعة لوقته وجهده الغير مستثمر بالصورة الصحيحة! وإن كانت في بعض الأحيان أعمالا مفيدة وضرورية حقا إلا أن طبيعتها المؤقتة لا تمنح الموظف شعور الاستقرار والانتماء للمكان أو المؤسسة.
بعد كل هذا الشرح ... وكل هذا التوضيح .. ينبغي أن أخبركم عن حالة الاستياء الشديدة التي يعاني منها الكثير من الخريجين بعد أن أعلنت الوكالة عن توقف العمل ببرنامج البطالة المؤقتة في قطاع غزة !
لأنه وبالرغم من كل مساوئ العمل بهذا النظام , إلا أنه يمثل للكثيرين فرصة العمل الوحيدة المتاحة .. ولو مؤقتا !
إلى متى يبقى اقتصاد هذا البلد معلقا بإرادة الآخرين .... إلى متى يبقى كل شئ ذو طبيعة مؤقتة ؟ إلى متى تبقى جهود فئة الشباب معطلة وإبداعاتهم متوقفة وأحلامهم مؤجلة بل متقلصة .. إلى درجة أن تصبح أقصى طموحات أحدهم أن يحصل على (عقد عمل بطالة) ..
إلى متى ؟؟
أنــا بشتغــل .. بَطَــالة !
تمت مراجعته من قبل علا من غزة
في
سبتمبر 07, 2011
تقييم:
بالنسبة للبطالة اشى ومنه ولو انه لاتعطي الخبرة الازمة فى العمل مثلا الخريج تخصص حاسوب عندما يعمل مدخل بيانات فى البطالة !! اين الخبرة الذى يكتسبها لاتوجد ولكن لها جانب ايجابى من حيث الدخل ممكن تساعد الشخص او الخريج .. وبالاخر ريحة البر ولا عدمه .. اشى احسن من ولا اشى
ردحذفأنا أسميه نظام تهجير وليس بطاله لأنه أتوقع الكثير من الشباب بعد هذا الذل كله سيأخذ ما كسبه من هذا العمل المؤقت وسيحاول الخروج والهجره بأي طريقة ممكنه ... أرجوا منكي الكتابه والتركيز أكثر على هذه المواضيع أختي علا ، حتى نشعر جميعاً بمعانات شعبنا على كل الصعد :)
ردحذفعلا مدونة رائعة كعادتك .. لكن لفتت انتباهي كلمة قد كتبتيها ربما لا تكون علي صلة مباشرة بمدونتك لكن لها الاثر الكبير...قلتي بانك قابلتي العديد من خريجي كلية القمة وذكرتي اسماء هذه الكليات ...سبب رئيسي من اشكال المشكلة هنا ...ان هناك "عادة "اصبحت في مجتمعنا ان من يحصل علي معدل فوق 80% اةة 90% يدخل طب او هندسةاو صيدلة ...مما جعل النسبة المتكدسة العاطلة عن العمل ..مُفجعة ....التوجه نحو الجانب الاكاديمي دراسيا لدينا من اعلي النسب في العالم ...نحتاج لتفعيل التعليم التطبيقي بننسب اعلي ....نحتاج التوجه للكليات الاخري وتفعيل الدراسة بها ..اعرف ان هذا ليس حل البطالة علي المنظور القرريب ..لكن هو سبب من اسباب زيادة نسبة البطالة وليس وجودها .الاف المهندسين الاف المعلمين
ردحذفأو كما قال الشاعر
ردحذفإن عشت فعش حراً أو مت كالأشجار وقوفاً
وقوفا وقووووووفاً
وقوفاً كالأشجااااار
وارمي حجراً في الماء الراكد تندلع الأنهار
تندلع الأنهاار تندلع الأنهاااااااار
==============
أنا شايف انو مصطلح البطالة من إفرازات الإمبريالية
طرح موضوعي و مرتب عزيزتي علا .. و دايما مع غزة مش حتقدر تصدق ودانك :)
ردحذفمبارح لما كنت بدرس بالأزهر ما كنت فاهمة شو يعني بطالة .. و صحباتي لما تخرجنا خلوني أروح معاهم أعبي طلب البطالة إياه و كل فكري إنه وظيفة محترمة بس لفترة زغيرة .. لعند ما بدوا يشتغلوا وحدة و را التانية فيها و فهمت !
اليوم كتير من الطموحين و المتفوقين اللي عرفتهم بالكلية هاجروا و خلصوا و سابوا غزة و بطالتها !
مش عارفة أزعل على البلد و لا على ولاد البلد :(
أصبني كبد الحقيقه ... مقاله أكثر من رائعه ..
ردحذفإلي متي؟؟ سؤال يبحث عن جواب في الأفق القريب....
ردحذفوالكون ده كيف موجود من غير حدود
وفيه عقارب ليه وتعابين ودود
عالِم مجرب فات وقال سلامات
ده ياما فيه سؤالات من غير ردود
تدوينة جميلة ياعلا..
بصراحة أنا أول مرة أعرف عن الموضوع دا
ردحذفبجد غريب أوى وحاسة فيه بكمية ذل رهيبة
تدوينة رائعة .. ابدعتي بعرض مشكلة مستفحلة في المجتمع الغزي ...
ردحذفبالنسبة إلي شغلانات البطالة اللي اشتغلتها ورضيت هي السبب في اني بشغل نفس المكانة حتى لما غيرت الشغل :( مش عارفة كيف وقتها قبلت اني كمهندسة كمبيوتر اشتغل clerk في مدرسة ههههههه بوقتها كنت بس بدي ابدأ شغل. صحيح هلأ شغلي اختلف نوعاً ما بس المهام هيَ هيَ وهاد اكتر شي بيحز بنفسي
ردحذف
ردحذفأول مرة أعرف هذا عن غزة .. حقيقة .. أعانكم الله .. هذه حياة لا تطاق .. إن كانت حياة أصلا
هي الفكرة مش بس الشباب " انا بشتغل بطاله "
ردحذفالحياة العامة في غزة عموماً مشروع بطالة ضخم اللهم إلا في قليل من الدوائر كالتعليم .. أما بقية النشاطات فهي مشروع بطالة عالمي كبير ....
موضوع جيد
لم أكن اتوقع هذا المعنى أبدا
ردحذفعلى أي المبكي المضحك، كان الله في عونكم
عاشقة فلسطين من المغرب
بتهيألي انه مافيش خريج في غزة إلا وعانى من قصة البطالة .. او حتى اشتغل بطالة .. باعرف ناس كثير خلصوا صيدلة وعملوا منشطين في العاب الصيف وعملوا في المسح الميداني وأعمال أخرى .
ردحذفالحمدلله انه حظنا كان افضل من غيرنا .. بس عارفة يا علا غالبية موظفي السلطة هم بطالة مقننة يعني الاسم موظف لكن مافيش عمل محدد يقوم به غير شرب الشاي والنميمة والشات ع النت .. اسألي مجرب ! يعني إدارة مثلا ، فيها ثلاثين موظف ، اللذين يعملون بحق فقط خمسة والباقي زي اباريق الجامع " منظر " ، هي هي بلدنا للاسف ..
هو معنى بطالة بردو مش للخريج بمعنى الكلمة..فيه نسبة كبيرة جدا للعمال العاطلين عن العمل..بعرف ناس كتير بتنبسط لما يطلعلها بطالة..عادي .. ما رماك عالمر الا الأمر منو!!, أنا اشتغلت بطالة وهلقيت بشتغل عقد يومي بالوكالة .. كل واحد بياخد نصيبو وعلى قدر اجتهاده ربنا بيكتب النا الرزق..
ردحذفبالنسبة للخبر انه وقفو البطالة عن كتير ناس وبالاخص الحكي لفئة العمال .. ليش لليوم ساكتين ومش محتجين عالوكالة, ايش بستنو !! بس لو يصير ضغط لو القليل عليها لتراجع حساباتها كلها في قرار وقف البطالة..
يعطيكي العافية
مرحبا عزيزتي علا :
ردحذفما بعرف ليش طموحتنا الكهرباء والمعبر و الوظيفة , هاي شي أساسي لازم تكون ....الله يفرجها
ممم..كلام واقعي..لكن شوفي يا علا...إحنا المشكلة من عندنا أساسا..مش من عند الأونروا أو باقي المانحين...!..بحسبة بسيطة لعدد الخريجين الجدد سنويا في كل جامعات غزة ومقارنتها بعدد السكان أو بالمؤسسات والمنشآت الخدمية اللي ممكن تستوعبهم حنكتشف الحقيقة المرعبة...!..إحنا يوم بعد يوم عم نتحول لنموذج سييء جدا من المجتمعات القائمة على "مؤسسات الخدمات" بشكل حصري..والحقيقة أنو ما في أمة بتنشأ على هادا الشي بس..حتى الإمارات مثلا إللي هي مثال قريب , تنبهت لهالشي وبدت تتوسع في مجالات تانية..مش موضوعنا ..بس قصدي إنو أنا مش حابب يصير فينا زي اللي بيصير في "دول مجاورة" لمن تشوف طبيب أو مهندس بيشتغل في فندق أو على سيارة أجرة لمجرد إنو أهلو أجبروه أو أغروه يخش كلية بتخرج (1500)طبيب و (1500) مهندس في محافظته فقط سنويا من دون زيادات تذكر في أعداد المستشفيات والشركات..!!..هادا اللي بيصير عندنا شوية شوية للأسف..!!..أنا ما بحكي هنا عن المسئولية الأخلاقية لإلنا كمجتمع إنو نمنع هادا النزف لكرامة المواطن بس..أنا بتكلم عن ملايين الدولارات تهدر في تعليم عشرات الآلاف تعليم عالي متقدم هم لن يستفيدوا منه مستقبلا ولا دولتهم..وإذا كان حد حيستفيد منهم ..فهم دول العالم "الأول!" اللي بتعرف كيف تستنزف "عقولنا" عالبارد المستريح..!!!..ما بدعي إني عندي تصور لحل سريع للي بيحصل في غزة للاسف..لكن أعتقد أنو برنامج تشغيل الخريجين الجدد (البطالة) هو شي إيجابي جدا جدا على عكس تماما موضوع "الكوبونة" أو ال "نقود السهلة" اللي إحنا قربنا نتعود عليها للأسف الشديد...:)..شكرا...
ردحذفاللهم اهدى شباب الامه العربيه الى ماتحبه وترضاه يارب العالمين
ردحذفشوفلى شغل معاك
ردحذفشغل بطالة حلو اوى
ردحذفوانا كمان بشتغل بطاله
ردحذفمبسوط بحكيك اكثر في المؤتمر
وبسمعك من رام الله